الأميرة حصة بنت أحمد (الثاني) بن محمد بن أحمد (الأول) السديري، ولدت في الغاط قبل فتح الرياض بسنة واحدة عام 1318هجرية الموافق عام 1900م. عاشت الأميرة حصة طفولتها في كنف والدها، ووالدتها شريفة السويد، والمشهور عنهما الصلاح والحكمة، فحظيت منهما برعاية كريمة، وتنشئة صالحة، كان لها أبلغ الأثر في بناء شخصيتها، ومن ثمّ حياتها. ترعرعت الأميرة حصة في أسرة كبيرة، فلها ثمانية من الإخوة وأربع عشرة من الأخوات، وتنقلت بين الغاط حيث بيت أبيها الأمير أحمد (الثاني)، وبين جلاجل حيث بيت أهل أمها شريفة السويد. كانت علاقة الأميرة حصة بوالديها وجميع إخوتها وأخواتها علاقة توادّ واحترام، يقابلها مودة بالغة، ورحمة سابغة، والحرص على ربط الإخوة والأخوات ببعضهم. جمعت الأميرة حصة بين جمال الباطن والظاهر، بل كان جمالها ملفتاً للأنظار، ذلك أن التنشئة الكريمة، التي حظيت بها الأميرة حصة في كنف والديها، ظهرت آثارها جلية في صفاتها الحميدة، مما لفت انتباه الملك عبد العزيز إليها، إضافة إلى جمالها، فتزوجها عام 1331هـ (1913م) ولها من العمر ثلاثة عشر عاماً. وبعد زواجها من الملك عبد العزيز، انتقلت الأميرة حصة بنت أحمدالسديري من الغاط إلى الرياض، وسكنت حيث يسكن الملك في قصر الديرة، ثم في قصر المربع، ثم بعد وفاة الملك عبد العزيز في أحد قصور المنصورية، إلى أن استقر بها المقام في قصر المصانع، المكان الذي كانت تحبه حتى وفاتها. كانت الأميرة حصة نعم الزوجة الصالحة للرجل الصالح فحظيت بمكانة رفيعة، ومنزلة عالية عند الملك عبد العزيز، الذي كان يردد أنه لم يسمع منها إطلاقاً، ولو كلمة واحدة تسيء لأحد، أو تضر بأي شخص، فحبَّب ذلك كله الأميرة إلى الملك، فكانت الأثيرة عنده، وأحبّ زوجاته إلى نفسه، لدرجة أنه كان كثيراً ما يدعو الله أن ترافقه في الجنة.. إن تنشئة الأميرة حصة بخصائصها الفريدة ترتكز في المقام الأول على مبدأ "القدوة الحسنة"، حيث أن القادةَ والفرسان مثل الملك عبدالعزيز، والأمير أحمد (الثاني) السديري؛ حريصون، أشد الحرص على ضرورة وجود القدوة الصالحة، كما أن استلهام الأولاد والأحفاد والمحيطين بالقدوة الحسنة؛ لجني ثمارها اليانعة، وتأكيد نتائجها، فقد أكّد أولاد الأميرة حصة، وأحفادها، بنين وبنات، أنها كانت قدوة لهم، في الارتقاء بذواتهم وسلوكهم في جميع شؤون حياتهم، فتأثير الأميرة حصة كان قوياً، وكان على كل مَن كان حولها أن يقتدوا بها، وهم يرونها الأم العظيمة للجميع، فهي بمثابة أنموذج، يملك من الصفات النبيلة أجملها وأسماها، هي والدة حازمة، وأميرة تملك شخصية نافذة، ولها تقدير واحترام من الجميع. المرأة العظيمة لا تستمد عظمتها من شهرتها، وإنما من عطاءاتها وإنجازاتها، والأميرة حصة، امرأة عظيمة، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالات، وما تصل إليه من أبعاد؛ فهي أصيلة الجذور، سامقة الذكر، عظيمة الإنجاز، تستمد عظمتها من مفاتيح شخصيتها؛ تلك المفاتيح التي تبرز تميّزها الحقيقي، وأسباب محبة الآخرين لها، وتأثيرها فيهم، وتأثرهم بها. ولاريب أن الله - عز وجل - فطرها على خصالٍ حميدة، ثم جاءت تنشئتها في بيوت كريمة وأصيلة، لتربِّي هذه الفطرة أفضل تربية، وتنمِّيها أزكى نماء. كان والدها حريصاً على تعليم أبنائه وبناته، ومنهم الأميرة حصة، كما كانت والدتها تتطلع إلى أن يطرح الله البركة في هذه البنت، وأن يكون لها شأن، مما ضاعف مسؤولية الأم تجاه تعليم ابنتها، فالتحقت الأميرة حصة بعد أن تجاوزت ست سنوات بالكتَّاب، واستمرت على ذلك بمتابعة من والديها حتى زواجها. وبعد تقدم الأميرة حصة في العمر، كانت تتعلم وتشارك بناتها وأخواتها وحفيداتها وقريباتها التعليم، وسماع القرآن الكريم، عن طريق المشايخ المكفوفين (المطاوعة)، الذين كانوا يعملون لدى الملك عبد العزيز، كما كانت - رحمها الله - حسنة الصوت في قراءتها وترتيلها القرآن الكريم، وتقرأ كتب العبادات، كالتوحيد والفقه. شجّعت الأميرة حصة في رؤيتها للعلم والتعلم على الاغتراف منه قدر الطاقة، وتطوير أدواته، بما لا يخالف المتطلبات الشرعية، وقد طبقت القول المأثور: "خير الناس أنفعهم للناس" خير تطبيق، فلم يقتصر تشجيعها للتعليم، وبخاصة تعليم المرأة، على نساء القصر، بل إنها تبرعت بإنشاء مدرسة للبنات، في بيت والدها في الغاط، وكوّنت لهن مكاناً، للراغبات من الفتيات بالتعليم، وجلبت لهنّ معلمة عربية، من خارج المملكة لتدريسهنّ، وكانت تدفع مصاريف تلك المدرسة من مالها الخاص. وتُعَدّ الأميرةُ حصة بنت أحمد السديري من الروّاد في الحرص على الجمع بين التربية والتعليم، فكانت نظرتها رائدة إلى الجانب التربوي في التعليم، فكان لها اهتمام بالجانب العلمي التربوي، فسَعت إلى نشر العلم بين الأطفال، عن طريق تشجيعهم على حفظ القرآن الكريم، ومكافأة مَن يحفظه منهم، بجوائز تشحذ همم الآخرين، وحرصت على توفير الكتب، لطلبة العلم، بوقفها عليهم. ولتحقيق غايات العلم السامية، فقد كانت حريصة على صبغ مجالسها كلها، في جميع الأوقات به، فقد كانت تحرص على أن تتناول في مجالسها الأحاديث العامرة بالذكر، ولم تكن متابعة الأميرة حصة لتعليم أولادها، وحرصها على تزودهم به، مقتصراً على البنات، فحسب، بل إنها كانت تتابع بنفسها تعليم أولادها الذكور كذلك، بحكم انشغال والدهم بمسؤولياته في إدارة شؤون الدولة. كانت الحياة اليومية للأميرة حصة السديري حافلةً بالأنشطة، منذ بزوغ الفجر، إلى الليل؛ لأن بيتها عامر بالحركة، من الساكنين والزوار، حيث كانت تجيد تنظيم وقتها بمهارة فائقة، وجدول حياتها اليومية يسير وفق ترتيب، هي وضعته بنفسها، ليناسب حياتها وأسرتها. تتناول الغداء بشكل يومي مع أبنائها وأحفادها، ثم تستريح قليلاً في القيلولة؛ لتباشر أعمال البيت والاستعدادات للعشاء مع نساء الأسرة من بناتها وزوجات أبنائها وزوجات أشقائها، وكل من يزورها من نساء أقربائها ومعارفها، وكان هناك اجتماع أسري أسبوعي، كانت حريصة على أن يُدرج في جدول حياتها الأسرية، ويوم الخميس هو أكثر الأيام الي تجتمع فيها الأسرة. والأميرة حصة كنزُ من الخير، وبرغم حرصها على أن تكون أعمالها في البر مخفية عن الناس؛ لتكون أدعى لقبولها من الله عز وجل، إلا أن أعمالها تلك كانت نهراً جارياً، أصبح شاهداً على إنسانية هذه المرأة الصالحة، كان لها عناية خاصة بالفقراء، وكانت تحرص بشكل كبير على السريّة في صدقتها ومساعدتها، وتركّز بشكل كبير جداً على دعم ومساعدة من يحتاج مساعدة من أقاربها في داخل الرياض وخارجه، وكانت حريصة على توزيع الطعام والصدقات طوال أيام السنة، وفي شهر رمضان خاصة، في المساجد والسجون والمستشفيات، والأربطة المخصصة لسكن كبار السن. والجيران عند الأميرة حصة من الأقربين لذا كانت حريصة على دعوتهم وتفقد حاجاتهم ومساعدتهم والاهتمام بشؤونهم. كما أن الأميرة حصة لم تنسى المشاريع والأوقاف الخيرية، فاهتمت بوقف بعض أملاكها، وبناء وترميم المساجد، وحفر وصيانة آبار السقيا، ووقف الكتب العلمية. توفيت الأميرة حصة بعد مرض مفاجئ لم يمهلها طويلاً فجر يوم الأحد 12 شوال 1389هـ (21 ديسمبر 1969م)، في مدينة الرياض، وتمت الصلاة عليها يوم الإثنين في الجامع الكبير (جامع الإمام تركي بن عبد الله)، رحمها الله رحمة واسعة.